يرى سيد حسين موسويان أن العام الماضي شكّل إحدى أكثر المراحل مفصلية في التاريخ الحديث للشرق الأوسط، حيث أعادت سلسلة من التصعيدات العسكرية المترابطة – من غزة إلى إيران – تشكيل النظام الإقليمي، وكشفت عمق القلق الاستراتيجي، وأظهرت حدود القوة الأميركية والإسرائيلية في بيئة جيوسياسية شديدة الاضطراب. ويجادل الكاتب بأن كسر دائرة العنف في 2026 يمرّ عبر مسارين متلازمين: تطبيق حل الدولتين فعليًا، وإطلاق حوار شامل بين الولايات المتحدة وإيران.

 

يقدم ميدل إيست آي قراءة تحليلية تعتبر أن استمرار السياسات الحالية ينذر بمزيد من الحروب وعدم الاستقرار، ليس في الإقليم فقط، بل أيضًا على مستوى المصالح الأميركية العالمية.

 

عام التصعيد وتوسّع ساحات الحرب

 

يشرح موسويان أن العمليات العسكرية الإسرائيلية اتخذت خلال العام الماضي طابعًا توسعيًا غير مسبوق. في غزة، واصلت الحرب منذ أكتوبر 2023 إحداث دمار إنساني هائل وتفكك سياسي عميق. في الوقت نفسه، وسّعت إسرائيل ضرباتها الجوية لتشمل مواقع إيرانية وأخرى لحزب الله في سوريا، ثم امتدت العمليات إلى لبنان، ما رفع خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة.

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ استهدفت ضربات إسرائيلية مواقع في اليمن بزعم إضعاف قدرات الحوثيين، لتفتح جبهة إضافية في خريطة صراع مثقلة أصلًا. ويعدّ الكاتب الضربة الإسرائيلية التي طالت قطر في سبتمبر الماضي التطور الأكثر صدمة، كونها استهدفت دولة حليفة لواشنطن وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط. ورغم تبرير إسرائيل للهجوم بأنه استهدف قيادات من حماس كانت تتفاوض في الدوحة، إلا أن الضربة أخطأت هدفها وأثارت إدانة قطرية ودولية واسعة باعتبارها انتهاكًا للسيادة.

 

يربط الكاتب هذه التطورات بإحياء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنًا لفكرة «إسرائيل الكبرى»، وهي رؤية توسعية تدعمها قوى قومية متطرفة داخل إسرائيل، ويُفهم منها السعي للسيطرة أو الهيمنة على الضفة الغربية وغزة ولبنان والأردن، إضافة إلى أجزاء من سوريا ومصر والعراق والسعودية. ويرى موسويان أن هذه الرؤية تمثل أحد المحركات المركزية للتصعيد المستمر.

 

الضربات على إيران وتداعياتها الاستراتيجية

 

في منتصف 2025، شنّت الولايات المتحدة وإسرائيل ضربات منسقة استهدفت بنى عسكرية ونووية داخل إيران. تصف واشنطن العملية بأنها محدودة ووقائية، غير أن الرد الإيراني، الذي شمل إطلاق صواريخ على مدن إسرائيلية، فاجأ كثيرين. ينقل الكاتب عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إقراره بحجم الأضرار التي لحقت بإسرائيل، في إشارة تعكس فشل الرهان على ضربة بلا كلفة.

 

يرى موسويان أن أخطر ما في هذه الضربات لا يكمن فقط في نتائجها العسكرية، بل في أثرها الرمزي والتاريخي. فقد وضعت واشنطن نفسها، في الذاكرة الإيرانية، ضمن قائمة القوى التي هاجمت الأراضي الإيرانية مباشرة، وهو أمر سيترك أثرًا طويل الأمد على النزعة القومية الإيرانية وسلوك طهران الإقليمي. ويحذّر الكاتب من أن استمرار هذه السياسة سيدفع الولايات المتحدة إلى مزيد من التورط في منطقة لطالما سعت إداراتها المتعاقبة إلى تقليص الانخراط فيها، ما يعيق تركيزها على أولوياتها الاستراتيجية الأخرى مثل الصين والتنافس التكنولوجي.

 

طريق بديل نحو الاستقرار

 

يؤكد موسويان أن فرص السلام ستظل ضئيلة طالما استمرت إسرائيل في السعي وراء مشروع «إسرائيل الكبرى»، وطالما استمر التصادم العسكري الأميركي-الإسرائيلي مع إيران. ويطرح الكاتب مجموعة خطوات يرى أنها تشكّل الحد الأدنى لمسار مختلف في 2026.

 

أولًا، يدعو الولايات المتحدة إلى الانتقال من الدعم الخطابي إلى التنفيذ الفعلي لقرارات الأمم المتحدة الخاصة بإقامة الدولة الفلسطينية. فدون حل عادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الممتد منذ ثمانية عقود، لن يصمد أي ترتيب إقليمي.

 

ثانيًا، يشير إلى خطورة التصريحات المتبادلة بين إيران وإسرائيل التي تتحدث عن «الإبادة»، ويرى أن الولايات المتحدة والصين، بحكم ثقلهما، تملكان القدرة على لعب دور وساطة مباشر لمنع الانزلاق إلى مواجهة أوسع، وينبغي عليهما القيام بذلك.

 

ثالثًا، يدعو دول الخليج الثماني إلى بناء منظومة إقليمية للأمن والتعاون، تقلّل الاعتماد على القوى الخارجية، وتؤسس لحوار مؤسسي منتظم يخفف من منطق الاستقطاب.

 

رابعًا، يقترح توسيع دور أطر التعاون الأوراسي، بحيث لا تظل اقتصادية فقط، بل تتطور إلى آليات سياسية وأمنية تضم تركيا وإيران وباكستان ودول آسيا الوسطى والقوقاز.

 

أخيرًا، يشدد على ضرورة كسر الجمود بين واشنطن وطهران عبر مفاوضات شاملة، لا تقتصر على الملف النووي، بل تشمل مجالات المصالح المشتركة والنزاعات المزمنة التي غذّت العداء لعقود.

 

يخلص موسويان إلى أن العام الماضي كشف مخاطر الأحادية والاستراتيجيات العسكرية والأيديولوجيات التوسعية. ولا يرى مخرجًا حقيقيًا من حلقة الصراع إلا عبر احترام القانون الدولي، وبناء أطر أمنية إقليمية، وإطلاق حوار أميركي-إيراني جاد. من دون ذلك، يحذّر من أن 2026 قد يحمل قدرًا أكبر من الفوضى، بكلفة باهظة على الشرق الأوسط والولايات المتحدة معًا.
 

https://www.middleeasteye.net/opinion/middle-east-can-escape-cycle-conflict-2026-how